-->

آلية الدفع بعدم الدستورية واجراءات الفصل فيه في ظل القانون 22-19 !

حجم خط المقالة

آلية الدفع بعدم الدستورية واجراءات الفصل فيه في ظل القانون 22-19 !
الباحثة: دير أمال.

مقدمة :                                                               

   إن تعارض القوانين و التنظيمات مع نصوص الدستور باعتباره أسمى  قانون في الدولة  يعتلي الهرم القانوني ، ظاهرة موجودة في جميع  المنظومات القانونية للدول وليس في الجزائر فقط ،

والتي تتنافس اليوم في دساتيرها و قوانينها من أجل ترشيد الوصول إلى قضاء دستوري ، والذي يبنى على أساسين وهما معقولية الشروط و بساطة الإجراءات  .

ليعمل المؤسس الدستوري الجزائري هو الآخر على تعزيز الرقابة على دستورية القوانين من خلال تعديل دستور سنة 2020 عن طريق توجهه إلى القضاء الدستوري ، و استبدال المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية ، كهيئة قضائية مستقلة رغم أنه لم يتم النص صراحة على ذلك ، لكننا نستشف طابعها القضائي من خلال تسميتها و كذا صلاحياتها و أعمالها .

ليتيح هذا التوجه أمام المتقاضين الحق في اللجوء إلى العدالة الدستورية و هو ما نصت عليه المادة 195 من الدستور ، متى توفرت شروطه .

أولا: آلية الدفع بعدم الدستورية.                                          

   تعتبر الدعوى الدستورية ، دعوى من طبيعة دفاعية و ليست هجومية تهدف إلى عدم تطبيق الحكم التشريعي على الدعوى المعروضة أمام الجهات القضائية . متى تبين أن النص التشريعي أو التنظيمي يمس و ينتهك الحقوق و الحريات المكفولة دستوريا . 

ولا يقتصر أثرها على أطراف الدعوى فقط، و إنما يمتد إلى كافة الأشخاص و ملزم لجميع سلطات الدولة .

1-متى يثار الدفع بعدم الدستورية ؟                                     

   يثار الدفع بعدم الدستورية في أية مرحلة كانت عليها الدعوى ، بمعنى في جميع مراحل التقاضي .

فيمكن إثارته أثناء مرحلة التحقيق القضائي ، كما يمكن إثارته أيضا لأول مرة أمام جهة الاستئناف أو الطعن بالنقض ، كذلك أمام محكمة الجنايات الابتدائية و الاستئنافية .

2-من يقوم بإثارة الدفع بعدم الدستورية ؟                            

   يثار الدفع بعدم الدستورية من قبل أحد أطراف الدعوى ، شخصا طبيعيا كان أم معنويا ، وطنيا أم أجنبيا ، مدعيا كان أو مدعى عليه ، مدخلا أو متدخلا في الخصام أو من الغير المعترض الخارج عن الخصومة

كما أن للمتهم أيضا إثارته إلى جانب المسؤول المدني او الطرف المدني ، عندما يتعلق الأمر بالمادة الجزائية .

ولا يجوز للقاضي بأي حال من الأحوال إثارة هذا الدفع كونه لا يتعلق بالنظام العام و تكريسا لواجب الحياد .نفس الأمر بالنسبة لممثل الحق العام و محافظ الدولة ، على حسب الحالة .

3-ماهي شروط الدفع بعدم الدستورية ؟                                   

شروط إجرائية شكلية و أخرى موضوعية ، تحت طائلة عدم القبول.

ا-الشروط الإجرائية الشكلية :                                             

- مذكرة مكتوبة ، فلايجوز إثارة الدفع شفاهة في الجلسة .         

- مذكرة مستقلة عن دعوى الموضوع كمقتضى شكلي لكن ذات علاقة ،  فلا يجوز إثارة الدفع ضمن عريضة إفتتاح الدعوى أو عريضة الاستئناف و إنما ضمن مذكرة مستقلة .

- مذكرة معللة و مسببة ، على أن تبين أوجه الدفع المثار مبينة النص التشريعي أو التنظيمي و أوجه إنتهاكه للحقوق والحريات المكرسة ضمن نصوص الدستور .

ب-الشروط الموضوعية :                                                 

- أن يتعلق الدفع بنص تشريعي أو تنظيمي ما يجعله واسع المجال ، عكس ما اعتمدته باقي التشريعات المقارنة فمثلا في فرنسا جعلت الدفع مقتصرا على القانون فقط دون التنظيم . على أن يتوقف مآل المنازعة القضائية على هذا النص التشريعي أو التنظيمي ، بمعنى أن يكون محل الدفع نص قانوني يراد تطبيقه على النزاع المثار أمام القضاء .

- لم يسبق التصريح بالدفع أي يثار لأول مرة ، وهو ما يصطلح عليه بالقرينة الدستورية بمعنى أنه لم يسبق وأن صدر بشأنه رأي سابق عن المجلس الدستوري ، استثناءا في حال تغير الظروف ( التعديل ).

- شرط الجدية ، متروك للسلطة التقديرية للقاضي.

بحيث يجب أن يتيقن و يقتنع أن الحكم التشريعي يتعارض ونصوص الدستور ما يجعله يحيل الدفع إلى المحكمة العليا أو مجلس الدولة على حسب الحال . ولا يفصل في المنازعة المعروضة أمامه إلى غاية الفصل في مسألة الدفع ، فيتم إرجاء الفصل في الدعوى.

ويتم إعادة السير في الدعوى المدنية أو العمومية وفقا للأحكام الواردة ضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أو بسعي من النيابة العامة .

يستثنى من الإرجاء حالتين و هما :

*عندما تهدف الدعوى إلى وضع حد للحرمان من الحرية أو عندما يكون الشخص محروما من حريته بسبب الدعوى ، ما لم يعترض المعني على ذلك .
* إذا نص القانون على وجوب الفصل ضمن أجل محدد أو على سبيل الاستعجال .

ثانيا:إجراءات الفصل في الدفع.             

  هي المنصوص عليها في القانون العضوي رقم 22/19 المؤرخ في 25 يوليو 2022 ، المحدد لإجراءات وكيفيات الإخطار والإحالة المتبعة أمام المحكمة الدستورية :            

    بداية ، تقوم الجهة القضائية المثار أمامها الدفع بالفصل فيه فورا بموجب قرار مسبب ، فيتم إرسال الدفع إلى المحكمة العليا أو مجلس الدولة بعد استطلاع رأي النيابة العامة أو محافظة الدولة حسب الحالة .

- يوجه القرار إلى الجهة ( المحكمة العليا أو مجلس الدولة) خلال  10 أيام من صدوره . كما يبلغ للأطراف .

- لايكون هذا القرار محلا لأي طعن ، إلا في حالة الطعن في القرار الفاصل في النزاع أو في جزء منه و يتم الطعن بموجب مذكرة مكتوبة ، مفصلة و معللة .

- في حال الرفض يبلغ قرار رفض إرسال الدفع إلى الأطراف في أجل أقصاه 03 أيام ، يحسب من تاريخ صدوره .

-يتم استطلاع رأي النائب العام أو محافظ الدولة الذي يقدم إلتماساته في أجل أقصاه 05 أيام .

- تمكين الأطراف من تقديم ملاحظاتهم المكتوبة  .

- تفصل المحكمة العليا أو مجلس الدولة في مسألة إحالة الدفع إلى المحكمة الدستورية في أجل شهرين إبتداءا من تاريخ استلام قرار إرسال الدفع بعدم الدستورية أو من تاريخ إثارته مباشرة أمامها و ذلك على سبيل الأولوية .

- في حال عدم فصل المحكمة العليا أو مجلس الدولة في الآجال القانونية ، يحال الدفع تلقائيا إلى المحكمة الدستورية .

- بعد وصول قرار إحالة الدفع إلى المحكمة الدستورية ، تعلم الهيئة رئيس الجمهورية كما تعلم رئيس مجلس الأمة و رئيس المجلس الشعبي الوطني و الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة ،الذين يمكنهم إبداء ملاحظاتهم حول الدفع .

- يكن لقضاة النيابة العامة أو محافظة الدولة بناءا على طلب المحكمة الدستورية ، تقديم ملاحظات كتابية حول الدفع .

- يمكن لكل شخص ذي مصلحة وصلة بموضوع الدفع، التدخل في الدفع بموجب طلب يقدم عن طريق مذكرة مكتوبة ومعللة قبل وضعه في المداولة .

- تكون جلسات المحكمة الدستورية علنية ما لم تمس بالنظام العام أو الآداب العامة .

- يمكن لممثل الحكومة و كذلك للأطراف أو دفاعهم ، تقديم ملاحظاتهم الشفوية وجاهيا أمام هيئة المحكمة الدستورية .

- تصدر المحكمة الدستورية قرارها خلال أربعة 04 أشهر من تاريخ إخطارها ، ويمكن أن يمدد هذا الأجل مرة واحدة لمدة أقصاها أربعة 04 أشهر بناءا على قرار مسبب من المحكمة . ويبلغ إلى الجهة صاحبة الإخطار ( المحكمة العليا أو مجلس الدولة ) حسب الحالة .

- لا يؤثر إنقضاء الدعوى التي تمت بمناسبتها إثارة الدفع على الفصل في الدفع بعدم الدستورية .

1-ماهي آثار قرار المحكمة الدستورية ؟                         

   إذا قررت المحكمة الدستورية أن النص التشريعي أو التنظيمي غير دستوري ، يفقد أثره ابتداءا من اليوم الذي يحدده قرارها، فيكون قرار المحكمة الدستورية نهائيا وملزما لجميع سلطات الدولة العمومية ، الإدارية والقضائية .

   يبلغ القرار إلى رئيس الجمهورية و رئيس مجلس الأمة و رئيس المجلس الشعبي الوطني و إلى الوزير الأول أو رئيس الحكومة على حسب الحال، وكذلك يبلغ القرار أيضا إلى المحكمة العليا أو مجلس الدولة ، لإعلام الجهة القضائية التي أثير أمامها الدفع بعدم الدستورية .

   و أخيرا يتم نشر قرار المحكمة الدستورية في الجريدة الرسمية .

*تجدر الإشارة إلى أن أول قرار صدر عن المحكمة الدستورية بتاريخ 28 نوفمبر 2021  ج ر العدد 95 سنة 2021،  متعلق بهيئة الدفاع و بالتحديد الفقرة الأخيرة من نص المادة 24 من القانون رقم 13/07 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة والتي جاءت على النحو الآتي :

" لا يمكن متابعة محام  بسبب أفعاله و تصريحاته ومحرراته في إطار المناقشة أو المرافعة في الجلسة ".

   أثير دفع بعدم دستورية هذه الفقرة بمناسبة نزاع أمام  مجلس القضاء أين أيدت غرفة الاتهام الأمر المستأنف الصادر عن قاضي التحقيق المتضمن رفض إجراء تحقيق ضد محام بسبب قيامه بتحرير عريضة في مادة شؤون الأسرة لصالح موكلته والتي تضمنت حسبه عبارات السب و القذف و المساس بالشرف على اساس االفقرة الأخيرة من نص المادة 24 من القانون 13 – 07 ليقوم دفاع الطاعن بإثارة الدفع بعدم دستورية هذه الأخيرة  واستند في الدفع المثار على نص المادة 37 من الدستورالمتعلقة  بالمساواة أمام القانون وكذا نص المادة 47 المتعلقة بحق حماية الحياة الخاصة و الشرف . فتم قبول الدفع من قبل المحكمة العليا و تمت إحالته على المحكمة الدستورية.

"إن  الحصانة الممنوحة للمحامي من شأنها تمكينه من ممارسة مهنته في إطار القانون وهو الأمر الذي لا يتعارض و مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون .

وإنما ضمانة تتيح له ممارسة حق الدفاع المكفول هو الآخر دستوريا بكل حرية مع توفير الحماية له من كل أشكال الضغوط . وهو ما خلصت إليه المحكمة الدستورية لتصرح بدستورية هذه الفقرة ".

المراجع :                                                            

- التعديل الدستوري لسنة 2020 الصادر بموجب المرسوم الرئاسي رقم 20-442 المؤرخ في 30 ديسمبر 2020 ، ج ر ج ج العدد 82 الصادرة بتاريخ 30ديسمبر 2020 .
-القانون العضوي رقم 22- 19 المؤرخ في 25 يوليو 2022 ، يحدد إجراءات و كيفيات الإخطار و الإحالة المتبعة أمام المحكمة الدستورية، ج ر ج ج العدد 51 الصادرة بتاريخ 31 يوليو 2022
القانون رقم 13-07 المؤرخ في 29 أكتوبر 2013 المتضمن تنظيم مهنة المحاماة ، ج ر ج ج العدد  55 ، الصادرة بتاريخ   30 أكتوبر 2013  .
- القرار رقم 1 /ق.م.د / دع د/21 المؤرخ في 28 نوفمبر 2021 .
ورشة تكوينية حول موضوع الدفع بعدم الدستورية  المنظم من قبل المنظمة الجهوية للمحامين ناحية ورقلة و من إلقاء أعضاء المحكمة الدستورية بتاريخ 28 نوفمبر 2024 في إطار التحضير لمسابقة أحسن مرافعة في الدفع بعدم الدستورية لفائدة المحامين المتربصين الطبعة الأولى 2024.
- مداخلة من إعداد السيد المستشار الهادي لوعيل ، عضو هيئة الدفع بعدم الدستورية تحت إشراف السيد الطاه
ر ماموني ، الرئيس الأول للمحكمة العليا .



احذر انتهاك حقوق الملكية الفكرية لهذا الموقع, فيرجى الإشارة الى مصدر الإقتباس.

التالي
هذه أحدث تدوينة